في القاهرة الساحرة ... تجد وراء كل مبنى وشارع تاريخ كبير... فهي كانت ومازالت شاهداً على أحداث كثيرة عبر عصور متتابعة ... فبالقرب من ميدان التحرير بوسط القاهرة .. يوجد شارع القصر العيني والذي يعد من أشهر شوارع القاهرة.
وهنا يتسائل الكثيرين ... لماذا سمى هذا الشارع بهذا الاسم؟! ... وهو الذي نتعرف عليه في السطور القادمة.
سبب التسمية
سمى هذا الشارع باسم القصر العيني نسبة إلى وجود أحد القصور القديمة التي يملكها "العيني باشا" والتي تم تحويلها فيما بعد إلى مستشفى لتكون أقدم مدرسة للطب في مصر.فلم يكن يعلم العيني باشا أو "أسامة شهاب الدين أحمد عبد الحميد بدر الدين محمود العينى" أن قصره الذي بناه في هذه المنطقة، سوف يصبح في يوم من الأيام أشهر وأقدم مدارس الطب في العالم.
وقبل تحويله لمستشفى فقد شهد القصر استخدامات متعددة عبر العصور ففي البداية تحول إلى سجن حربي في فترة حكم المماليك، ومستشفى للجنود في عهد الحملة الفرنسية ولنتعرف عن المزيد عنه فيما يلي، ولنبدأ بالتعرف على حكاية صاحب القصر.
العينى باشا .. قصة صاحب قصر
حصل "أحمد العيني" على أرض هذا القصر كهدية من الأمير المملوكي "سليمان المهراني" أيام "الظاهر بيبرس" ، والذي يعتبر أول من شيد هذه المنطقة. وعندما اكتمل بناء هذا القصر فقد دعا صاحبه "أحمد العيني" سلطان البلاد السلطان "خوشقدم" لافتتاحه وزيارته واستجاب السلطان فزار القصر وشاهد النيل ثم منح "أحمد العيني" رتبة الإمارة العسكرية.وبعد تقلد السلطان "قايتباي" الحكم فقد ألقى القبض على العيني باشا واستولى على قصره وبعد أن وعد السلطان بسداد 20 ألف دينار كل شهر أفرج عنه ثم أعيد القبض عليه ولكنه استطاع الهرب إلى مكة.
وقد توفى أحمد العيني بالمدينة المنورة ودفن فى البقيع عام 909هـ ليصبح قصره من أملاك الدولة وبسقوط الدولة المملوكية وتحولها إلى ولاية عثمانية، واستولى بكوات المماليك على قصر وحولوه إلى مكان للنزهة، وأحيانًا إلى قصر للضيافة أو إلى مكان للحبس الجبري أى يقيم فيه من يغضب عليه من الأمراء وأحيانًا إلى مجلس للوالي نفسه إذا عزله أمراء المماليك .
"دليلة" ابنة العينى باشا واختفاءها داخل القصر
إذا كان لديك أحد الأشخاص الذين دخلوا القصر العيني، وخاصة إذا كان غرض تواجدهم الدراسة، فبالتأكيد قصى عليك قصة "أبنة" العيني باشا التي اختفت داخل القصر ليلة حنتها، على أثر لعب "الاستغماية" مع صديقاتها.يُقال أن العيني باشا كان لديه بنتٌ تدعي دليلة، وكانت بارعة الجمال؛ ذات وجه مشرق، وأخذ يتصارع الكثير عليها لخطبتها، مع تقديم الهدايا، ولكن لم يحظى أحد بقلبها إلا عندما رأت فتي وسيم مهذب يُدعي الحسيني الأشرف ويمتد نسبه إلي النبي صلي الله عليه وسلم.
وبالفعل وافق "العيني باشا" على زواجها منه، وبدأوا في التحضير للفرح، وتعليق الزينات وانتشار الزغاريد، وفي ليلة الحنة اجتمعت الفتيات للعب والمزاح، ومباركة العروس، وقررا اللعب سويًا "الاستغماية"، وبالطبع لم يكن هناك مكان أنسب من القصر الذي تعيش به "دليلة"، فتجولوا داخل قصر العيني وتعرفوا على معابره التي تنفذ كلٌّ منها إلي الأخرى.
اختبأت دليلة ليلتها وبدأ البنات يبحثن عنها، ربع ساعة انقضت حتى وصلوا إلى ساعة كاملة، وبدأ الأمر يأخذ منحني آخر، وانقلب الهزار إلى جد، وأخذوا يبحثوا عنها مع الشرطة في كل مكان داخل القصر وخارجه ولم يجدوها.
قيل أن أعداء أبيها تربصوا بها واختطفوها، وقيل أنها هربت مع عشيقها لأنها لم تكن تريد الزواج من الحسيني الأشرف، أو أن العفاريت خطفوها، تعددت الأسباب ولكنها لم تظهر، أما أبيها فقد بقي ذاهلًا عن الوجود فترة حتي قيل راح الرجل، ولما أفاق لم يتكلم بكلمة، ترك قصره وانطلق ماشيًا إلي مسجد الحسين، فرق السائل من أمواله علي دراويش المقام وارتدي خرقة من الصوف وعمامة خضراء.
حتى الآن اختفاء "دليلة" لغز، تحول إلي أسطورة ولم يعثروا عليها والجميع يؤكد أن روحها لم تفارق المكان.
القصر العيني في عهد الحملة الفرنسية
وفي عهد الحملة الفرنسية تحول قصر العيني باشا إلى مستشفى عسكري حيث طلب نابليون بونابرت تخصيصها لجنود وضباط الحملة الفرنسية وعندما قتل كليبر على يد سليمان الحلبي نقل جثمانه إلى حديقة قصر العيني ودفن فيها، ثم نقلوا الجثمان معهم عند جلائهم عن القاهرة وأهمل القصر إلى أن أنشأ محمد علي باشا مدرسة حربية عام 1825 فى هذا قصر ثم بدأت مسيرة قصر العيني مع الطب في عهد محمد علي أيضًا والذي حوله بعد ذلك إلى مستشفى رأسها "كلوت بك".
تأسيس مدرسة طب القصر العيني
كلوت بك هو طبيب فرنسي ويعد مؤسس مستشفى (قصر العيني)، فقد إختاره "محمد علي" ليعمل على إدخال التقنية الطبية الأوروبية فى الجيش المصري الذي كان يهتم بإعداده في ذلك الوقت, وعينه محمد على كبيراً للجراحين عام 1825 ليكون أول جراح فرنسي في الجيش المصري يساعده عدد من الأطباء والصيادلة.
وشرع كلوت بك في تأسيس مستشفى عسكرية ومدرسة طب تضم كل الفروع الطبية والعلوم الطبيعية واللغات ، وإختار منطقة (أبو زعبل) في البداية ليقيم فيها هذه المؤسسة.
وفي عام 1837 انتقلت المدرسة والمستشفى من " أبو زعبل " إلى قصر " العيني باشا" ، ثم رحل "كلوت بك" إلى مرسيليا لظروفه الصحية حتى استدعاه الخديوي سعيد باشا مرة ثانية لإدارة المدرسة الطبية التي عانت إهمالاً واضحًا بعده ، فتقرر أن يعود "كلوت بك " بالفعل مديراً لمدرسة الطب ومستشفى "قصر العيني " عام 1855, إلى أن توفى عام 1868.
وفي عام 1925م تم ضم مدرسة الطب ومستشفى قصر العيني إلى الجامعة المصرية وعين الدكتور ولسن مديراً لها، وفي عام 1929م عين الدكتور علي باشا إبراهيم عميداً للكلية والمستشفي، واستمر رئيسًا لها حتى عام 1940م.
تجديد مستشفى القصر العيني وبناء مستشفى تعليمي جديد
ظلت مستشفي قصر العيني القديم تخدم كلية الطب لسنوات طويلة منذ عام 1837، إلى أن تقرر هدمه وتجديده في بداية الثمانينات، وبدأ العمل في مشروع المبنى الجديد في عام 1984، وتم تجهيزه بكافة المعدات الطبية والهندسية على أحدث ما يكون لخدمة التعليم الطبي والمرضي، وبحيث يكون مركزاً متميزاً للأبحاث الطبية على مستوى منطقة الشرق الأوسط.
وتم توقيع عقد إنشاء مستشفى قصر العينى الجديد مع مجموعة فرنسية (كونسرتيوم) مكونة من ثلاث شركات : سوجيا، ايبوتي دي فرانس، ست فولكييه. وذلك في السنة 1984م.
وفي عام 1995م أصدرت جامعة القاهرة شهادة استلام مستشفى قصر العيني التعليمي الجديد من المجموعة الفرنسية في شهر نوفمبر، وبدأت مرحلة التشغيل الأولى.
جدير بالذكر أن المبنى الجديد للمستشفى التعليمي - والذي يشغل مساحة كبيرة من جزيرة منيل الروضة - لم يعد يوصف بأنه الجديد، لأن المستشفى الفرنسي أصبح يحمل لقب المستشفى التعليمي الجديد.
شارع القصر العيني الآن
وفي الوقت الحاضر يوصف شارع القصر العيني بـ "منتجع الأمراء" أو "ساحة الموظفين"، وذلك نظرًا لوجود العديد من مراكز صنع القرار السياسي المصري به،
حيث يوجد به مجلسي الوزراء والشعب، ووزرات التعليم والداخلية والإسكان، بجانب المؤسسات الصحفية كروز اليوسف والنقابية كنقابة الأطباء، والثقا
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق